الأربعاء 2016/01/06

آخر تحديث: 13:27 (بيروت)

هل "الحوار الثنائي" كافٍ لحماية لبنان؟

الأربعاء 2016/01/06
هل "الحوار الثنائي" كافٍ لحماية لبنان؟
increase حجم الخط decrease

سؤال واحد يشغل بال عموم اللبنانيين هذه الأيام: كيف سينعكس التوتر السعودي والإيراني غير المسبوق في تاريخ العلاقة بين البلدين على لبنان؟ الإجابة عن هذا السؤال صعبة كما هي الحال مع أكثر الأسئلة المطروحة في البلاد منذ سنوات عديدة. ثمة من يطرح كذلك سؤال أكثر واقعية: كيف يمكن الحد من تأثيرات هذا التوتر الإقليمي على الواقع المحلي؟ لكن هنا أيضاً الإجابة ليست في المتناول، خصوصاً أنّ لبنان وبالرغم من تحييده نسبياً عن حروب المنطقة إلّا أنّ امتداداتها السياسية على الوضع اللبناني واضحة ولا لبس فيها، طالما أنّ الانقسام اللبناني انعكاس أيضاَ للانقسام الإسلامي الإقليمي.

بناء على ذلك يقيم الوضع اللبناني بين حدّين: فمن جهة تكوّنت بفعل الحوار الثنائي بين "حزب الله" و"تيار المستقبل" برعاية الرئيس نبيه بري شبكة أمان محلية لمنع انفلات الصراع بين الجهتين في الشارع، ومن جهة ثانية لم ينتج هذا الحوار نتائج سياسية يمكن التعويل عليها لضمان الاستقرار السياسي/ الأمني في لبنان على المدى البعيد. وهذا ما يجعل هذا الحوار "أهلياً" أكثر منه سياسياً، أي أنّ مفاعيله المباشرة هي في منع الإحتكاك الأمني في مناطق نفوذ الطرفين. لكن في النهاية نجح الحوار المذكور في بناء استقرار أمني مطلوب، وهذا ما يُذكر له، إضافة إلى تسهيله في محطات مختلفة عمل الحكومة.

لكن هل هذا كافٍ لحماية لبنان وتحييده عن الصراع المحتدم في الإقليم؟ فالحروب الأهلية الدائرة من حولنا وبأشكال وأنماط مختلفة، ليست حروباً ذات طابع مذهبي بحت، هناك أسباب سياسية وراءها يعكسها أولاً صراع النفوذ بين إيران وخصومها من العرب (في مقدمتهم السعودية) وغير العرب تضاف إليه المزاحمة الدولية على تقاسم أو انتزاع الأدوار في المنطقة. وهذا الصراع يتصل أساساً بالتنافس المحموم على السلطة السياسية في البلدان المشتعلة، من اليمن إلى العراق فسوريا ولبنان كل بحسب ظروفه. وبالتالي لبنان ساحة من ساحات هذا الصراع، واستقراره الأمني المصان نسبياً حتى الساعة لا يلغي هذا الواقع، وهنا بيت القصيد. فحوار حزب الله- المستقبل في حال تواصل- وهذا مرجّح حتى الآن- هو في واقع الحال حوار انتظاري وله ما بعده. أي أنه يستمر بانتظار ما سيؤول إليه الصراع في المنطقة. والحديث عن أن الإقليم دخل في "المرحلة الانتقالية" باتجاه "الحل النهائي"، لا يطمئن إلى أن لبنان والمنطقة مقبلان على سلم واستقرار. إذ أن الخلاف الأساسي هو على طبيعة هذا السلم، أي على كيفية "مأسسة نفوذ" القوى الإقليمية المتصارعة، وهذا مسار أصعب من مسارات وقف إطلاق النار في سوريا واليمن.

وهذا ما أشّر إليه تصريح النائب محمد رعد الإثنين حيث عبّر صراحة عن أنّ "المسألة ليست مسألة شخص نسلمه موقعاً في رئاسة الجمهورية، ثم لا يجد صلاحيات يستطيع أن يحكم بها البلاد، لأن كل الصلاحيات مصادرة من قبل الشخص الموكل بحفظ سياسات هذه المملكة أو تلك الدولة"، في دلالة إلى اعتراض الحزب على صلاحيات الرئاسة الثالثة. وهذا بطبيعة الحال تعبير عن نية لدى "حزب الله" لإجراء تغييرات جذرية في التركيبة الدستورية والسياسية للبلاد تتلاءم مع نظرته لنفسه ولنفوذه مع حلفائه من المسيحيين. عند هذه النقطة بالذات يبدو حوار "حزب الله"- "المستقبل" هشاً إلى أبعد حدود، لأنّ كلام رعد يعكس مقدار عدم الثقة بين الطرفين وإن اتفقا على منع تدحرج الأوضاع نحو انفلات أمني في البلاد. وبالتالي يصبح التساؤل عما إذا كان هذا الحوار كافياً لحماية لبنان واستقراره مبرراً، لأنّه خاضع، صعوداً وهبوطاً، لوتيرة العلاقة بين الرياض وطهران، كما أنّه لا يمكن، مهما أسهم في حفظ الاستقرار، أن يشكل مظلة بديلة من مظلة الدولة. وهو وإن كان لم يطرح نفسه كذلك، إلا أن عجزه عن المساهمة في توفير مظلة مؤسساتية لحماية البلد، يخفض انتاجيته إلى أدنى حدود، ويسائل في الوقت نفسه القوى السياسية الأخرى (خصوصاً المسيحية منها) في بلادتها وعجزها هي الأخرى عن المبادرة إلى ما يحفظ الكيان اللبناني من الأخطار المحدقة به، وذلك بمنع المحاولات المنهجية للإنقلاب على الدستور اللبناني مع ما قد يولدّه ذلك من مخاطر على الإستقرار. ولا شك أن التاريخ سيحاسب المسؤولين الذين ما زالوا حتى الآن يعرقلون انتخاب رئيس للجمهورية معرضّين لبنان لشتّى أنواع المخاطر ومسوغيّن لا بل مشتركين في المساعي للإنقلاب عليه بحيث لا يعود يتسّع لجميع أبنائه كما عبّر النائب رعد الإثنين!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها